السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
" إنا أنزلناه قرآنا عربياً لعلكم تعقلون "
إخوتى أعضاء منتدانا العزيز وكذلك الزوار، أرجو من الله أن تكونوا بخير وعافية وأن يرزقنا الله جميعاً بكل طاعة تقربنا إليه اللهم آمين.
قد يتساءل البعض أو الكثير من المسملين من غير العرب ، عن سر نزول القرآن باللغة العربية تحديداً دون غيرها من اللغات ، لماذا هذه اللغة تحديداً؟
ألم يكن من الأفضل أن يكون بلغة أخرى غيرها ؟
هذا السؤال لايخص غير العرب وحدهم وإنما قد يأتى إلى أذهان العرب أنفسهم أيضاً ، والحق أن هذا الإختيارللعربية لم يكن عفوياً ، بل لاشك أنه كان لأسباب دقيقة ومحكمة ، فلله تعالى فى كل شىء حكمة وهو القائل " وكل شىء خلقناه بقدر" وإن خفت علينا هذه الحكمة فان علمناها كان فضلاً ونعمة ، وإن لم نعلمها فليس لنا أن نقول " سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير".
وقد حاولت قدر إمكانى أن أجتهد فى جمع تلك الأسباب بمساعدة بعض الموضوعات التى ناقشت نفس الفكرة ، وقد نقلت منها هذه الأسبال وجمعتها فى هذا المقال مع بعض التصريف ، وأرجو أن أكون قد وفقت لذلك
لكن قبل الخوض فى توضيح الأسباب، دعونا نتفق على أصل هاماً جداً جداً ألا وهو
أن الإسلام دين عام أنزله الله تعالى للعالمين ، وكذلك الحال بالنسبة لآخر الرسالات السماوية القرآن الكريم فهى رسالة عامة ، كما أرسل الرسول الأكرم محمد عليه صلوات الله وأتم التسليم للعالمين جميعاً وليس للعرب وحدهم
قال تعالى " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"
وكما اختار الله سيدنا ونبينا محمد "صلى الله عليه وآله وسلم " لهذه المهمة العظيمة وربنا تعالى يخلق ما يشاء ويختار، وقد جاء فى الحديث الشريف
" إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل ، واصطفى قريشا من كنانة ، واصطفى من قريش بني هاشم ، واصطفاني من بني هاشم "عن الإمام مسلم
وفى رواية أخرى
" وفي رواية لأحمد والترمذي وقال: حسن صحيح غريب:
(إن الله اصطفى من بني كنانة قريشا، واصطفى من قريش بن هاشم، واصطفاني من بني هاشم" )
" إن الله خلق السماوات سبعا ثم خلق الخلق فاختار من الخلق بني آدم ثم اختار من بني آدم العرب ثم اختار من العرب مضر ثم اختار من مضرقريشا ثم اختار من قريش بني هاشم ثم اختارني من بني هاشم فأنا خيار من خيار"
الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: ابن حجر العسقلاني - المصدر: الأمالي المطلقة - الصفحة أو الرقم: 68 خلاصة حكم المحدث: حسن
وقد وقع الإختيار على العربية ، لتنال تشريفاً عظيماً بوصفها لغة " القرآن الكريم" ، لأسباب عديدة
أولها : أنه من الطبيعى أن تنزل الرسالات بلغة الرسول الذى يكلفه الله تعالى بتبليغها للناس وذلك حتى يتعامل معها بشكل طبيعى ويسير، والعربية هى لغة سيدنا محمد رسولنا الكريم " صلى الله عليه وآله وسلم "
وثانيها : أنه لابد أيضاً أن تكون لغة الرسالة السماوية كلغة القوم الذين يبعث فيهم الرسول ، وقد قال الله هذا فى كتابه العزيز
" وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدى من يشاء وهو العزيز الحكيم" صدق الله العظيم.
وأيضاً لأن القرآن لو نزل بلغة أخرى غير العربية ، لكن من المحتمل أن يتحجج العرب وقتها بأن القرآن صعب الفهم لأنه أعجمى فاراد الله تعالى ألا يكون لأى من الناس حجة وأنزله بالعربية حتى يكون ميسر الفهم وواضح البيان، وهذا مذكور فى كتابه الكريم أيضاًً فى قوله
" وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ " صدق الله العظيم
وثالثها : أن العربية هى أفصح اللغات على الإطلاق ، فضلاً عن بعد كلماتها وألفاظها عن الغريب والشاذ ، وكذلك خلوها من العجمة. حتى أن العرب كانوا يتفاخرون بفصاحتهم وقدرتهم على نظم الشعر، وبراعتهم فى الخطابة ، بل ويعدون هذا ثروتهم وفخرهم بين الأمم.
فكان من الأولى أن يكون فى تنزيل القرآن الكريم باللغة العربية ، إعجازاً وتحدياً لهذه الفصاحة وتلك البراعة اللغوية ، لأنه لا يشبه كلام البشر مهما فاقت قدراتهم اللغوية ، ولا يستطيع أن يأتى بمثله حتى أفصح الخطباء ، أوأمهرالشعراء أوأبرع الأدباء من العرب ولا من غيرهم ، حتى أن أبا جهل حين سمع بعضاً من آياته قال
" إن عليه لحلاوة ، وإن له لطلاوة ، وإن أعلاه لمثمر ، وإن أسفله لمغدق ، وإنه يعلو ولا يعلى عليه ".
مما يدل على شدة إنبهاره بكلام الله عز وجل ، وأنه قد أيقن أنه ليس ككلام البشرولا يمكن الإتيان بمثله أبداً كما قال تعالى
" قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً "
صدق الله العظيم.
رابع هذه الأسباب : أن لغة سيدنا آدم أبو البشر بعد نزوله من الجنه، كانت العربية وكذلك ستكون العربية لغة أهل الجنة " جعلنا الله منهم اللهم آمين" إن شاء الله تعالى .
فى النهاية يجب على كل مسلم أن يحترم لغة كتاب الله تعالى وأن يسعى لتلعمها والتفقه فيها حتى يعينه ذلك على تلاوة كتاب الله وفهم محتواه والعمل بما جاء فيه ، فاللهم اجعلنا من أهل القرآن الكريم وخاصته وارزقنا تلاوته اناء الليل وأطراف النهار.
وصل اللهم على سيدنا النبى الأمى محمد وآله وسلم تسليماً كثيراً.
أترككم فى رعاية الله وحفظه.